إسرائيل تدمر إسرائيل

تابعنا على:   22:40 2023-07-27

نبيه البرجي

أمد/ يحق لبنيامين نتنياهو , كملك لليهود , ألاّ يكترث بنصائح  وملاحظات جو بايدن . الرئيس الأميركي ليس خائفاً على اسرائيل من العرب (باستثناء دحرها في لبنان , متى خافت من العرب ؟) , وانما من ... اسرائيل !!
   مثيرة التعليقات التي ظهرت أخيراً على مواقع التواصل . اضافة الى ظهور نتياهو بشاربي أدولف هتلر , "نحن على بعد خطوة من أن نصبح جمهورية الموز" , "ها أننا نحزم حقائبنا للمغادرة بعدما طردوا يهوه من أرض الميعاد" , "هل تتحول اسرائيل من دولة للنخبة الى دولة للحثالة ؟" , "لعله الانتقال من الدولة ـ الغيتو الى الدولة ـ الزنزانة" . 
   هذه التعليقات تعكس المناخ السيكوسياسي في اسرائيل . جنرالات , وأكاديميون , ومثقفون , يخشون من ابتعاد الغرب عنهم حين تحل الديكتاتورية  محل الديمقراطية . المواجهات أمام الكنيست أظهرت مدى الانكسار داخل المجتمع , وداخل الدولة . ناحوم ناربيع يستغرب كيف أن الجنرالات أكثر رؤيوية من الساسة في فهم النموذج الاسرائيلي في الشرق الأوسط , كما في العالم .
  اسئلة من قبيل "هل نضع رؤوسنا بيد أصحاب العيون الزجاجية , أو أصحاب العيون الخشبية , ليحكمونا ؟" .
     ماذا حين يقول دانييل بايبس , المؤرخ اليهودي الأميركي ومدير منتدى الشرق الأوسط , "من هنا يبدأ سقوط الهيكل الثالث" , مستذكراً كيف أن الملك اليهودي أغريبا الثاني , وشقيق الأميرة برنيكي (برنيس) , عشيقة القائد الروماني تيتوس , تواطأ مع هذا الأخير لتدمير الهيكل الثاني في عام 70 ميلادي . كلام بايبس تزامن مع مقالة لنيكولاس كريستوف في "النيويورك تايمز" حث فيها الادارة على قطع تدريجي للمساعدات التي تقدمها بلاده لاسرائيل . 
   سأل "هل من المنطقي أن نستمر في أداء مبلغ هائل (3.8 مليارات دولار سنوياً) لبلد ثري ؟ هذا تبديد للموارد الشحيحة , ويخلق علاقات غير صحية تضر بالبلدين" . علماً بأن أسرة سالزبرغر اليهودية هي التي تملك الصحيفة كأحد رموز "الدولة العميقة" , ما يشي بوجود نخب يهودية تعارض بشدة جنوح اسرائيل نحو "الداعشية التوراتية" البعيدة كلياً عن لغة القرن ...
    ما يستشف من التعليقات , والمواقف , الأميركية أن هناك مخاوف حقيقية من "ثقافة الغباء" التي تحكم عقل  أهل اليمين الذين أولويتهم شن الحرب ضد لبنان لاعتقادهم أن تطوير الترسانة الصاروخية لـ"حزب الله" , وكذلك المسيّرات , لا تهدد أمن اسرائيل فحسب وانما وجود اسرائيل بالذات , في حين أن واشنطن تصر على الهدؤ في المنطقة الى أن ينجلي الوضع في أوكرانيا .
      هذا مع اعتبار أن الهروب العسكري الى الخارج تقليد قديم في اسرائيل التي تتنقل من مأزق سياسي الى مأزق آخر . لكن ما تنشره معاهد البحث يؤكد رفض هيئة الأركان لأي عملية عسكرية ضد لبنان . لن تكون تل أبيب فقط هدفاً للصواريخ التي تفوق بأضعاف , من حيث الدقة والطاقة التفجيرية , الصواريخ التي أطلقت من غزة .
  هناك المسيّرات المتطورة . مثلما وصلت المسيّرات الأوكرانية الى موسكو بالرغم من الشبكات الالكترونية الهائلة (وكانت فضيحة مجلجلة للدفاعات الروسية) , لا بد أن تصل مسيّرات الحزب الى غرفة نوم نتنياهو .
   الائتلاف الحاكم  لم يرضخ للتظاهرات , ولم يأبه بـ"نوعية" المتظاهرين , كما لم يتوقف عند الملاحظات الأميركية  . الأهم أنه تجاهل التداعيات الكارثية للتصدع الداخلي (هنا الصراع بنيوي ويتعلق بصيغة الحكم).
  هذا لم يقتصر على المؤسسة المدنية . معهد أبحاث الأمن القومي أشار ال "خطر التفكك في جيش الشعب" , مع اعتبار تقديس غالبية الاسرائيليين للجيش كونه الذراع التوراتية التي كرست قيام الدولة وبقاءها .
   لكن منظّري اليمين يعتبرون أن الحرب ضد لبنان وحدها تعيد توحيد الجيش , وحمايته من التفكك . هذا ما يصفه أركان المعارضة بـ"الخيار الانتحاري" لأن الصواريخ ستحرق المدن الاسرائيلية , كما أن "حزب الله" وضع في أولوياته تدمير منصة الغاز القريبة من الشاطئ اللبناني , مع ما لذلك من نتائج رهيبة .
  بطبيعة الحال لن نسأل ما الحل . التاريخ يبدو وكأنه يتقيأ نفسه , حين انقسمت مملكة سليمان , بعد رحيله , الى مملكتين بقيتا لعقود طويلة في صراعات دموية . ما حصل قبل نحو 3000 عام قد يحدث الآن ...

اخر الأخبار